
عربي ودولي
50
المتحف الوطني.. 50 عاماً من صون الذاكرة وترسيخ الهوية
❖ طه عبدالرحمن
بعد مرور 50 عاماً على تأسيس متحف قطر الوطني، و20 عاماً على تأسيس متاحف قطر، تستعيد الذاكرة الثقافية للدولة لحظة فارقة شكلت نقطة الانطلاق نحو مشروع متحفي رائد، بات اليوم إحدى أهم ركائز الهوية الوطنية وقاطرة الوعي التاريخي في قطر. وعلى مدى نصف قرن، لم يكن المتحف مجرد صرح معماري يحتضن مقتنيات الماضي، بل تحول إلى مؤسسة معرفية تعيد بناء سردية قطر التاريخية، وتقدمها للأجيال بوصفها خبرة حية تتجاوز حدود العرض المتحفي التقليدي.
في هذا السياق، تحرص ، على رصد هذه الذاكرة، عبر رصد شهادات مؤرخين وباحثين في التراث، للوقوف عند الأهمية المضاعفة التي تكتسبها متاحف قطر اليوم، بعد مرور خمسة عقود، على تأسيس أول متحف وطني في قطر والخليج، بما يذكر بأن صون الذاكرة ليس ترفاً ثقافياً، بل منظومة لحماية ما تراكم من إرث مادي ومعنوي عبر قرون، ما يعكس أن المتاحف، لم تعد مجرد مخازن للآثار، بل منصات تربوية وثقافية، توفر للزائرين تجارب تفاعلية، تعيد وصل الماضي بالحاضر، وترسخ الهوية الوطنية في ظل عالم سريع التغير.
– علي الفياض: متاحفنا وسائل للتعليم ونشر الوعي وتعزيز المعرفة
يؤكد د. علي بن عبد الله الفياض، الكاتب والباحث في الآثار والتاريخ، أن المتاحف تعد من أهم المؤسسات الثقافية التي تحفظ ذاكرة قطر في حقبة الغوص، وتوثق مسيرة تطورها، فهي المكان المخصص لحفظ وصيانة التراث الإنساني، ونشر المعرفة والتوعية به بين أبناء قطر، وخاصة الجيل الجديد، إذ تعدى دورها إلى وسائل ومجالات تعليمية وثقافية تسهم في بناء وعي المجتمع بأهمية وقيمة التراث والآثار، التي هي الشاهد المادي على التاريخ، بما يظهر ويبين الهوية القطرية وتطورها الحضاري، لتضمن بقاء هذا التراث حياً في نفوس وقلوب وذاكرة ووجدان الأجيال القادمة، لأنه بمثابة الجذر الذي يعمق هويتهم ويثبتها.
ويصف المتاحف بما توفره تعتبر وسيلة من وسائل التعليم ونشر الوعي، وتعزيز المعرفة التاريخية، وخاصة إذا ما كانت تعتمد على طريقة تفاعلية توظف فيها الوسائط والعروض المرئية، التي تجعل التعليم أكثر جاذبية وفهمًا، كما أن الاطلاع على إنجازات الأجداد وموروثهم التراثي والحضاري والثقافي والفني يعزز ارتباطهم بوطنهم، ويعمق شعور الأبناء بالانتماء لتراث الآباء، كما تسهم في بناء مجتمع أكثر انفتاحاً وتقبلاً وتسامحاً، ومن ناحية أخرى عندما تجذب السياح من دول وأوطان أخرى، فهي تروج للتراث الوطني القطري على المستوى العالمي، وتجعل له حضوراً.
ويؤكد أن دولة قطر فهمت ووعت دور المتاحف وأهميتها في حفظ تراثها، وذلك منذ بداية استقلالها في مطلع السبعينيات، حيث تم تأسيس متحف قطر الوطني ليضم إرثها الحضاري والتراثي والثقافي والإنساني، وفي عام 1975، تم افتتاح المتحف ليكون منارة قطرية تنير للأجيال طريق المجد المستمد من الإرث المادي، والموروث الثقافي، وبعد تأسيس هيئة متاحف قطر تم إنشاء عدد من المتاحف المتنوعة، التي تقف شامخة شاهدة على الإرث القطري الممتد بجذوره إلى الحضارة العربية والإسلامية الخالدة.
– عبدالرحمن السنيدي: الحفاظ على التراث مسؤولية جماعية
يشدد السيد عبدالرحمن السنيدي، الباحث في التراث، على أهمية الدور الذي تلعبه المتاحف في الحفاظ على التراث والإرث، من خلال توثيق التاريخ، ونشر الوعي عبر برامج تعليمية، وفعاليات أخرى متنوعة، علاوة على كونها تساهم في ترسيخ الهوية الثقافية، وتعزيزها، وتشجيع البحث العلمي، ما يؤكد أهميتها في ربط الماضي بالحاضر للأجيال القادمة.
ويقول: إن المتاحف سواء التابعة للدولة أو الأخرى الخاصة التي يمتلكها أفراد، تتنوع في اقتناء العديد من المقتنيات والتحف الخاصة بتراث شعبها من ملابس وقطع أثرية متنوعة وألعاب للأطفال، وغيرها الكثير مما كان يستعمله أفراد المجتمع في حياتهم العامة، ليأتي هنا دور المتاحف في الحفاظ على هذه المقتنيات وتعريف الأجيال الحالية والأخرى القادمة أهمية هذه المقتنيات، وكيف كان يستعملها آباؤهم وأجدادهم.
كما يشدد على أهمية الحفاظ على هذه الآثار والمقتنيات وتوثيقها وتوصيلها للأجيال الحالية والقادمة وتعريفهم بها، فضلاً عن دعم أصحاب المتاحف الخاصة مادياً ومعنوياً، للحفاظ على ما يملكونه من آثار ومقتنيات، بما يجعلها عامل جذب سياحي للمقيمين، والزائرين للبلاد.
د. عبدالقادر القحطاني: صروحنا واجهة قطر الحضارية والسياحية
يقول د. عبدالقادر بن حمود القحطاني، أستاذ التاريخ بجامعة قطر، إن دولة قطر بدأت اهتمامها بالتراث والآثار منذ استقلالها وقيام الدولة في 3 سبتمبر 1971، وفي مقدمة ما قامت به الدولة، إنشاء المتاحف للحفاظ على التراث الشعبي الموروث عن الآباء والأجداد وكذلك البحث عن الآثار المدفونة واستخراجها ووضعها في المتاحف، وقيام عدد من علماء الآثار بالبحث عن الآثار في منطقة الزبارة وفي غيرها من مناطق البلاد وعثورهم على الكثير من الآثار التي تعود إلى آلاف السنين.
ويقول إنه في مقدمة المتاحف التي أنشئت متحف قطر الوطني الذي تم افتتاحه في 23 يونيو 1975، وأصبح هذا المتحف الذي يحتوي على الكثير من التحف والآثار واجهة سياحية للمواطن والمقيم ولضيوف قطر من السياح، كما شهدت البلاد لاحقاً افتتاح عدد من المتاحف أهمها المتحف الإسلامي الذي يقتني الكثير من التحف والصور والمخطوطات التاريخية، وكذلك متاحف مشيرب، وغيرها من المتاحف العديدة، خلاف المتاحف الأخرى المستقبلية.
ويتابع: إن المتاحف القطرية المتعددة والمتنوعة تضم الكثير من المقتنيات التي تمثل قيمة تاريخية وحضارية وفنية وعلمية توضح للزائر تطور قطر عبر العصور، كما تعكس حضارة وقيم الإنسان القطري في الماضي والحاضر، إذ إن متاحفنا بما تضمه من مقتنيات تراثية وآثار حضارية تعد موضع اهتمام ضيوف دولة قطر، حتى إن السنوات الأخيرة شهدت زيادة في عدد السياح للبلاد، ووصل عددهم إلى 4 ملايين في هذا العام، ويتوقع تزايدهم لاحقاً إلى 6 ملايين زائر.
ويدعو د. عبدالقادر القحطاني المواطنين والمقيمين والزائرين من السياح إلى زيارة المتاحف القطرية، حيث يجدون فيها الفائدة الثقافية والمتعة، بكل ما تزخر به من مقتنيات تاريخية، ترجع إلى عصور متنوعة، فضلاً عن مقتنيات تعكس موروثنا القطري، كما هو الحال في متحف قطر الوطني.
– د. عمر العجلي: المتاحف تعيد تشكيل الوعي التاريخي
يقول د. عمر العجلي، عضو اتحاد المؤرخين العرب، إنه عدما تستدعي ذاكرة قطر ثلاث مناسبات ثقافية مميزة احتفاءً بنصف قرن على إنشاء متحف قطر الوطني، وعقد ونصف على تأسيس المتحف العربي للفن الحديث «متحف»، فهي تستحضر المسار التاريخي لدولة قطر، الذي نراه متشكلًا من ثلاث مراحل زمنية تواصل فيها تاريخها القديم، مع عصرها الإسلامي، ثم حقب تاريخها الحديث والمعاصر، وهي محطات زمنية لم تُستحضر في المتاحف القطرية على سبيل العرض فقط، بل ضمن سرد بصري مترابط، يعيد وصل الماضي بالحاضر، ويقدم التاريخ بوصفه تجربة حية.
ويقول إنه في ضوء هذا التصور، وهذا التدرج التاريخي، تبرز المتاحف القطرية بوصفها الجسر الحيّ الذي يصل بين هذه المراحل الثلاث، ليس كونها أرشيفاً جامداً، بل بوصفها سردية بصرية متكاملة، تجعل الزائر يرى تاريخ قطر كما لو أنه يقرأ رواية مترابطة الحلقات، تتداخل فيها المادة بالمعنى، والمرئي بالمفهوم، والحدث بالهوية.
ويتابع: إن المتحف هنا لم يكن بناءً يعكس الحداثة في العمران، بل عهدًا حضاريًا بين الدولة وتاريخها، ومشهداً ثقافيًا صريحاً بأن الذاكرة ليست ماضيًا يُزار، بل جذرًا يقيم في صلب الحاضر، ويؤسس بأصالة للمستقبل.
ويقول إن المتاحف ليست في وعي الأمم مجرد قاعات تُرص فيها الشواهد، ولا منصات تعرض فوقها المقتنيات، بل إنها سجلات النسب الأوثق للأوطان، حيث تحفظ السلالة المعنوية للحضارة، وهي وجدان متجسد، وذاكرة تحفظ هوية الوطن نسمع منها صوت التاريخ حين يُستنطق الحجر والأثر، وهو ما تعمل به متاحف قطر، ما يجعل الدولة نموذجاً حضارياً يوظف الثقافة كأداة من أدوات القوة الناعمة.
– د. علي عفيفي: مصدر مهم للوعي بالتراث الثقافي
يصف د. علي عفيفي علي غازي، الباحث في التاريخ، المتاحف بأنها باتت في عصر العولمة، مصدراً مهماً للوعي بالتراث الثقافي المادي واللامادي، الذي هو مرتكز أساس للهوية الوطنية لأي أمة، كما أن تعزيز ثقافة زيارة المتاحف لدى الأجيال الشابة، مكون مهم في تنشئتهم الاجتماعية، فهي تربطهم بماضيهم، وتوضح لهم كيف عاش الأجداد، وكيف كافحوا الأهوال، وواجهوا التحديات والصعاب، للحفاظ على الوطن، وحمايته، والذود عنه.
ويقول: إن المتاحف تجاوزت معناها التقليدي من مجرد مكان لحفظ القطع الأثرية والتراثية، إلى كونها بيئة تعليمية وتفاعلية، تعمق الوعي لدى النشء بتراثهم، بطريقة مبتكرة وممتعة، تحافظ على الهوية الثقافية، والذاكرة الجمعية، وتوفر فرصة للتواصل الحي مع الماضي، بما يعزز الموروث الثقافي، وتعرّف الزوار بالسياقات التاريخية والثقافية للمعروضات.
ويشدد على أنه لتعزيز ثقافة زيارة المتاحف، فلابد من إبراز دورها في الحفاظ على التراث والهوية الثقافية، وتنظيم الفعاليات والبرامج التفاعلية، وأن تتحول لمراكز تعليمية ترفيهية تثقيفية، وتنظيم جولات تعريفية متخصصة، أو افتراضية عبر الانترنت، وحماية وصيانة المعالم التراثية والمواقع الأثرية؛ لضمان استدامتها للأجيال القادمة، وتوثيق وحفظ أشكال التعبير الثقافي، وهو ما تعمل متاحف قطر على تحقيقه، منذ تأسيسها.
ويقول إن متاحف قطر تضطلع بدور رائد في صون وتعميق الوعي بالتراث القطري، وتهتم بحفظه وصيانته وإتاحته لجمهور الزوار في متاحفها، وتطوير وحماية المواقع الأثرية، بما يخدم الركائز الأربع لرؤية قطر الوطنية 2030.
مساحة إعلانية




