أخبار العرب والعالم

رواندا .. معجزة التنمية والسلام في قلب القارة الإفريقية

عربي ودولي

28

20 نوفمبر 2025 , 05:39م

alsharq

رواندا

الدوحة – قنا

في قلب القارة الإفريقية، تقف جمهورية رواندا كنجمة مضيئة ودليل حي على قدرة الإرادة البشرية على تحويل المأساة إلى إنجاز، فقبل ثلاثة عقود شهدت تلك البلاد إبادة جماعية راح ضحيتها نحو مليون شخص في 100 يوم فقط من عام 1994.


لكن القيادة الرواندية، التي تولت زمام الأمور بعد ذلك، نجحت في تحويل المحنة إلى فرصة من خلال مسارات متوازية شملت بناء السلام والمصالحة كأولوية قصوى ومكافحة الفساد بصرامة والاستثمار في رأس المال البشري خصوصا في قطاعي الصحة والتعليم، وتنويع الاقتصاد والتركيز على التكنولوجيا والخدمات.


وتقع رواندا وسط القارة السمراء إلى الجنوب من الدائرة الاستوائية ضمن نطاق هضبة البحيرات، وهي دولة داخلية لا سواحل لها تتصل بالعالم الخارجي عن طريق جاراتها خاصة عبر ميناءي دار السلام بتنزانيا ومومباسا في كينيا، وتزيد مساحتها على ستة وعشرين ألف كيلو متر مربع، ويقدر عدد سكانها بأربعة عشر مليونا ونصف المليون نسمة، يعيش 83 بالمئة منهم بالمناطق الريفية.


وبعد انتهاء الحرب في رواندا، ورثت حكومتها الجديدة بلدا منهكا يعيش غالبية سكانه تحت خط الفقر وبنية تحتية مدمّرة وبنية مجتمعية مفككة، وقد عمل الرئيس الرواندي بول كاغامي على بناء أمة من الصفر ولم يكن هذا بالأمر الهين، فقد كانت المهمة تتطلب جهدا كبيرا.


ومنذ توليه السلطة، وضع الرئيس كاغامي أمامه هدفين واضحين: أولهما توحيد الشعب، والثاني انتزاع البلاد من الفقر، وشرع الرئيس في خطة من عدة محاور ركزت على تحقيق المصالحة المجتمعية وإنجاز دستور جديد حظر استخدام مسميات الهوتو والتوتسي، وهما طرفا الحرب والإبادة هناك، وجرم استخدام أي خطاب عرقي.


ونجحت خطط الحكومة الرواندية في تحقيق المصالحة بين أفراد المجتمع، فعاد اللاجئون إلى بلادهم، ونُظّمت محاكم محلية لإعادة الحقوق وإزالة المظالم. ومع التقدّم في الملفات الاجتماعية ركّزت الحكومة جهودها على تعزيز الاستقرار وترسيخ الثقة بين المواطنين.


ومع تحسن الأوضاع الداخلية، وجّهت الحكومة طاقتها نحو التنمية وتطوير الاقتصاد، وبعد مشاورات دامت قرابة سنتين أطلقت الحكومة عام 2000 عقب تولي الرئيس بول كاغامي منصبه خطة “رؤية 2020” التي حدّدت أهدافها التنموية بحلول عام 2020.


وقد نجحت البلاد في تحقيق العديد من هذه الأهداف مما شجّعها على الإعلان في نهاية مؤتمر الحوار الوطني عام 2015 عن خطة “رؤية 2050” تهدف إلى تحويل رواندا إلى دولة ذات دخل متوسط أعلى بحلول عام 2035، ودولة ذات دخل مرتفع بحلول عام 2050.


وفي معرض تقديمه للاستراتيجية، أعلن الرئيس كاغامي أن رؤية 2020 كانت تدور حول ما يتعين على الروانديين القيام به من أجل البقاء واستعادة كرامتهم، لكن رؤية 2050 يجب أن تكون حول المستقبل الذي يختارونه لأنهم يستطيعون تحقيقه ويستحقونه.


وهكذا وبعد مرور ثلاثة عقود على واحدة من أبشع الإبادات الجماعية في التاريخ الحديث، نجحت رواندا في تحويل جروحها إلى دروس وأحلامها إلى واقع لتصبح رمزا للصمود البشري والنهوض الذي يفوق الخيال لدرجة أنها تجاوزت العديد من دول العالم الثالث من حيث مؤشرات التنمية والاستقرار.


وباتت رواندا توصف في وقتنا الحاضر بـ”سنغافورة إفريقيا” بفضل نموها الاقتصادي المتسارع واستقرارها السياسي ومبادراتها الاجتماعية الرائدة التي أهلتها بجدارة لأن تنال لقب “معجزة التنمية والسلام”، ولم تكن هذه المعجزة صدفة في مسار التاريخ لكنها جاءت نتيجة رؤية قيادية حازمة وإصلاحات جذرية وشعب رفض تكرار الماضي أو العيش في ظل حسراته وآلامه.

كانت الخطوة الأولى والأكثر أهمية في مسيرة رواندا على طريق النهوض هي معالجة جروح الماضي وبناء أساس متين للوحدة الوطنية، فقد تم تجريم التحريض على الكراهية العرقية، وأصبحت الوحدة الوطنية ركيزة أساسية في المناهج التعليمية والخطاب السياسي، كما أولت القيادة الرواندية أهمية قصوى لترسيخ الاستقرار السياسي والأمني، معتبرة إياه شرطا لا غنى عنه لجذب الاستثمارات وتحقيق التنمية.


وتعد مكافحة الفساد بصرامة أحد الأعمدة الرئيسية للنجاح الرواندي، حيث اعتبرته القيادة “العدو الأول للتنمية”، كما بذلت الحكومة جهودا كبيرة لتحسين بيئة الأعمال، مما أدى إلى تقدم رواندا بشكل ملحوظ في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال العالمية.


وفي رحلة التحول من الرماد إلى الازدهار، تحولت رواندا من اقتصاد زراعي مدمر إلى نموذج تنموي، وبلغ متوسط النمو السنوي حوالي ثمانية بالمائة منذ عام 2000 مدفوعا بالاستثمار في التكنولوجيا والسياحة، وارتفع متوسط دخل الفرد عام 2015 إلى ثلاثين ضعفا عما كان عليه قبل عشرين عاما، وانخفضت نسبة الفقر من 78% عام 1994 إلى 38% عام 2023 بفضل برامج وخطط حكومية طموحة.


وكان التقدم هائلا على المسار الاقتصادي حيث أصبحت البلاد تتمتع بالمركز العاشر من حيث أسرع الاقتصادات نموا في العالم، وساعد هذا النمو في انتشال أكثر من مليون شخص من براثن الفقر مدفوعا بقطاع الزراعة الذي أعيد تنظيمه وتطويره لزيادة الإنتاج وتحسين معيشة المواطنين في المناطق الريفية.


وفي موازاة ذلك، شهدت البنية التحتية طفرة لافتة حيث تغطي شبكة الإنترنت عالي السرعة 95% من الأراضي الرواندية، وأنجزت مشاريع طاقة شمسية ومائية توفر كهرباء لـ75% من السكان.


وفي قطاعي الصحة والتعليم، نجحت رواندا في خفض وفيات الأطفال وتحسين صحة الأمهات، إلى جانب توسيع نطاق التغطية الصحية، كما توسع التعليم بشكل كبير مع ارتفاع معدلات الالتحاق بالمدارس الابتدائية والثانوية في إطار استراتيجية وطنية للتحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة.


وتعد رواندا رائدة عالميا في مجال تمكين المرأة حيث سجلت أعلى نسبة تمثيل نسائي في البرلمان على مستوى العالم، وحققت إنجازات في مكافحة الفساد حيث احتلت المرتبة الأولى إفريقيا والرابعة والأربعين عالميا في مكافحة الفساد، كما استثمرت الدولة بشكل كبير في تطوير البنية التحتية الرقمية وأطلقت أول برنامج وطني عالمي لتوصيل البضائع بالطائرات المسيرة.


كما تعتبر رواندا نموذجا حيا يحتذى به في التنمية الشاملة والتحول الإيجابي، فهي تبرهن أن الإرادة السياسية والمصالحة الوطنية والانفتاح على العالم قادرة على نقل بلد من قاع المأساة إلى قمة النجاح، فقد استطاعت في وقت قياسي أن تنهض من تحت الركام، وتحول جراحها إلى دروس ملهمة للعالم بأسرة.


وأصبحت رواندا اليوم واحدة من أنظف وأجمل وأكثر الدول نموا وتنظيما في إفريقيا، وباتت العاصمة كيغالي مركزا ناشئا للتكنولوجيا والابتكار في شرق إفريقيا، ولا تخفى عن عين الزائر معالم الطفرة الاقتصادية التي تشهدها تلك البلاد التي يعني اسمها “أرض الألف تل” التي باتت تستقطب السياح من مختلف أنحاء العالم؛ نظرا لما تتمتع به من حياة طبيعية وبرية نادرة وخلابة.

 

مساحة إعلانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى