
في كتابه «نار الخبز بين الغذامي ونزار»، الصادر عن مضامين للنشر والتوزيع، في 170 صفحة من القطع المتوسط، يقدّم الشاعر والكاتب والصحفي عبدالعزيز النصافي عملاً يجمع بين الحكاية والنقد، ليضع القارئ أمام مقارنة ثرية بين عالمين متباينين ومتكاملين في آنٍ: عالم الشاعر نزار قباني، وعالم الناقد عبدالله الغذامي.
رؤية الأطرش
رأى الشاعر ياسر الأطرش، في مقدمته للكتاب، أن العمل رسالة حب قبل أن يكون دراسة نقدية تقليدية. ويضيف أن النصافي قدّم صناعة احترافيّة لصحفي بارع، لا يخرج عمله عن التساؤلات الكبرى: لماذا هذه المقالة دون سواها؟ ولماذا هذا الموقف دون ضده؟ ليخلص في النهاية إلى أن الكتاب شهادة صادقة من قلب محبّ لكلا الرجلين.
النصافي بين نزار والغذامي
في تبريره للجمع بين هذين العلمين البارزين، أعاد النصافي الأمر إلى ظاهرة الانتشار، فكُتُب الغذامي وبحوثه النقدية وصلت إلى كل أرجاء العالم العربي وقراؤها أجيال متعاقبة، بينما قصائد نزار تجاوزت النخب لتصل إلى المثقف والفلاح والراعي والبائع في مصر والسودان واليمن وغيرها. ومن هنا رأى أن الربط بينهما مبرّر بالانتشار، واللغة، والموقف الفكري. وألمح إلى أنّ أوّل من عقد هذه المقارنة هو الناقد الدكتور سامي العجلان.
منهج الكتاب
اعترف النصافي أن كتابه هذا ليس بحثاً أكاديمياً محكوماً بالمنهج الصارم، بل هو خلاصة تجربة شخصية وقراءة متأملة. اعتمد فيها على أدوات متنوعة: الاقتباس، التصنيف، المقارنة، الاستقراء، والحجاج، مع حرصه على تماسك الفكرة وتكاملها، دون اجتزاء أو إخلال.
الحكاية والإنسان
بُني الكتاب على الحكاية؛ إذ بدأ المؤلف بقصته الشخصية مع نزار والغذامي، ثم استعرض طفولة كليهما، وظروفهما الاجتماعية والثقافية، وعلاقتهما باللغة والجماهير، ومواقفهما من الشجاعة والتهوّر، وتوقّف عند قضايا مثيرة كزعامة نزار في الشعر العربي الحديث، وقبول الغذامي بالاختلاف وتعدّد الرؤى، وحبّ نزار للمديح، والنقد الذي وُجّه لكلّ منهما، ما بين إنصاف موضوعي وهجوم فجّ.
بين الإنصاف والمساءلة
لا يكرّس النصافي كتابه للتعظيم أو التمجيد، بل يسلك طريقاً وسطاً بين الإنصاف والمساءلة. فهو يدافع أحياناً، كما فعل مع الغذامي في مواجهة رشقات سامي العجلان النقدية، التي رأى فيها النصافي أنها لا تعدو أن تكون اعتراضاً شخصياً على ذائقة الغذامي الروائية. ويتساءل في أحيانٍ أخرى، كما فعل مع موقف نزار في حادثته الشهيرة، حين رفض التوقيع لفتاة محتشمة بحجة أنها شبح، بينما لم يتردد في التوقيع على ساق فتاة أخرى كشفت عن نفسها أمام الجمهور!
النصافي هنا طرح سؤالاً استنكاريّاً جريئاً مع حبّه لنزار: كيف رفض نزار إعجاباً جاء بلباس الحشمة، وقبل إعجاباً جاء في صورة مستفزة؟!
خريطة ثقافية
الكتاب ليس مجرد جمع بين شاعر وناقد، بل هو محاولة لرسم خريطة ثقافية جمعت صوت الشعر وصوت النقد، قدّم فيها النصافي عملاً زاوج فيه بين الصحافة والأدب، وبين الحكاية والتحليل، ليمنح القارئ مادة ثرية تعكس حضور نزار نجماً في الوجدان العربي، وحضور الغذامي رائداً نقديّاً وأنموذجاً أكاديميّاً غيّر وجه الدرس الأدبي، وقلب الصورة الذهنيّة عن المثقف الأكاديمي.
أخبار ذات صلة