أخبار العرب والعالم

مجاعة غزة.. حرب قاتلة بلا غارات

عربي ودولي

32

21 يوليو 2025 , 07:00ص

alsharq

نساء غزيات يقرعن أجراس الجوع

❖ غزة – محمـد الرنتيسي

كأن غزة لا تكفيها القنابل والصواريخ لقتل الحياة فيها، فكيان الاحتلال يشن حرباً أخرى لا صوت فيها ولا دخان، وقوامها سياسة تجويع ممنهجة، تخنق أكثر من مليوني فلسطيني.


وكأن مشاهد الدمار والقتل والنزوح أصبحت خلف ظهور الغزيين، إذ وحدها المجاعة القاتلة وسبل مواجهتها أضحت الشغل الشاغل للنازحين المجوّعين، وللمرة الأولى لا يطلب أهل غزة وقف الحرب كأولوية، فكل ما يهمهم مواجهة الفصل الأشد في حرب الإبادة.


إنها افتتاحية حقبة كارثية جديدة يعاد فيها تجويع غزة، على مدار أكثر من 140 يوماً على الإغلاق التام لجميع معابر القطاع، و76450 شاحنة مساعدات إنسانية ووقود منعت قوات الاحتلال دخولها منذ استئناف الحرب، و42 تكية طعام استهدفها جيش الكيان في إطار فرض سياسة التجويع، و57 مركزاً لتوزيع المساعدات والغذاء استهدفتها الطائرات الحربية الإسرائيلية، و121 مرة، استهدف خلالها جيش الاحتلال قوافل المساعدات والإرساليات الإنسانية.


لكن سياسة التجويع الممنهجة ليست أرقاماً فقط، بل معاناة يومية يواجهها شعب محاصر، يباد جماعياً ويقتل جوعاً، ومن يجرؤ في العالم اليوم على القول: «لا أحد يموت من الجوع»؟.


ولم يتردد كيان الاحتلال في الاعلان صراحة عن أن جيشه يقتل المدنيين بالجوع في قطاع غزة، للضغط على حركة حماس وانتزاع تنازلات إضافية، كما أن كل قادة الاحتلال يصرون على تطبيق أدوات قتل جديدة، بقطع الماء والغذاء والوقود والكهرباء، وهكذا دخل قطاع غزة، الذي يئن تحت وطأة حصار مطبق، في مواجهة من نوع جديد، ومع أسلحة غير تلك التي تردي النازح في رمشة عين، إنها أسلحة الحصار والتجويع، الأشد فتكاً، كما يقولون.


ولا يحتاج الوضع في قطاع غزة إلى كثير تمعن لاجلاء خباياه وخفاياه، إذ وفق مراقبين، كل الخيارات لإنهاء الحرب والضغط لتحرير الأسرى الإسرائيليين، تبدو متوقعة ومستوعبة، باستثناء سلاح التجويع، الذي ترفضه القوانين الدولية.


ولا ينفك المشهد الفلسطيني يزداد تعقيداً بتعمق المجاعة في قطاع غزة، لتتسع متاهة الحرب التي دخلها الغزيون، في الوقت الذي اعتقدوا أن مسلكها له درب واحد، بمواجهة القتل والنزوح، لكن المجاعة أخذت تتدحرج لتصيب من تصيب في طريقها، ويهرع أهل غزة لقرع أجراس إنذار بدت بكماء، من كثرة استخدامها في خضم الحرب.


«كل مظاهر الحياة توقفت، ولم يعد بمقدورنا فعل شيء أمام الجوع، وليس بإمكاننا سوى التقلب على الأرض، لكن بإمكان الطائرات الإسرائيلية مواصلة ضربنا بكل قسوة، وتدمير ما بقي من قطاع غزة» هكذا وصف النازح عيسى الخالدي، المشهد الغزي، مبيناً أن مشاهد النازحين الجوعى فاقت التصور، ولم يسبق لأهل غزة أن توحدوا في صرخاتهم لوقف المجاعة، كما هو الحال اليوم.


يشرح الخالدي لـ»الشرق»: «تبقّى معي القليل النقود، ولدي الاستعداد لشراء أي شيء وإن بسعر مرتفع، كي أطعم أطفالي، وأحافظ على أرواحهم، لعل وعسى أن تتوقف الحرب وهم أحياء، لكني لا أجد شيئاً.. أولادي من دون طعام منذ أسبوع، ولا يقدرون على المشي أو الوقوف، لقد برزت عيونهم وهزلت أجسادهم». 


ولم تعد مشاهد الغارات المتواصلة وما يتفرع عنها من دماء وأشلاء، هي الفصل الأبشع في حرب غزة، فكل هذا وسواه، لا يعدل مشهد طفل يتضور جوعاً، بينما يقف والده عاجزاً عن تدبيره ولو بكسرة خبز، وفق الخالدي، الذي كان يبحث عن الطعام لعائلته، وقد هدّه التعب والجوع المفرط.

مساحة إعلانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى